۶ آذر ۱۳۹۱

الثورة الحسينية ودورها في تغيير الواقع الأجتماعي للامة

في ذكرى عاشوراء انتصار الدم على السيف..
الثورة الحسينية ودورها في تغيير الواقع الأجتماعي للامة


غالباً ما يطغى عنصر المأساة على واقعة الطف الدامية وما تخللها من مشاهد القتل المروعة والنهب المفجعة والسبي المؤلمة وما تبعها من أحداث بشعة لن يعجز القلم عن وصفها فحسب بل يبكيها دماً، الامر الذي يحول في الكثير من الاحيان عن توجيه وتركيز العقول والافكار والانظار والمشاعر عن الجوانب الأخرى لهذا الحدث العظيم والانجازات التي نجح في تحقيقها والمشروع النهضوي الذي تبناه والخط الحركي بأسسه المعنوية والتعبوية الذي أوجدته في المجتمع من أجل بث روح التغيير والإصلاح وخاصة في مجال عطائها الإنساني.
   ولأجل الاحاطة الشاملة والموضوعية لثورة الأمام الحسين (عليه السلام) ومعرفة نتائج الثورة وافرازاتها، وهل نجحت الثورة في كشف زيف الحكم الأموي وتفاقم روح النقمة والتمرد عليه في مختلف شرائح المجتمع، وقيام سلسلة من الثورات والحركات (العسكرية)، أم فشلت لأنها لم تحقق "نصراً سياسياً آنياً" يغير من واقع المجتمع الى واقع أفضل، إذ بقي المسلمون بعد الثورة كما كانوا قبلها: (قطيعاً يساق بالقوة الى حيث يراد له لا الى حيث يريد، وليساس بالتجويع والارهاب، ولقد ازداد أعداء هذه الثورة قوة على قوتهم، فلم تنل منهم شيئاً، وأما صانعوها فقد أكلتهم نارها، وشملت أعقابهم مئات من السنين، فحملت اليهم الموت، والذل، والتشريد، والحرمان).
   فلابد ان نفهم ثورة الأمام الحسين(ع) بأسبابها ومقدماتها وأهدافها ونتائجها، وقد يخسر القائد المعركة ولكنه ينتصر في آخر الحرب. خاصة وان الإمام الحسين (عليه السلام) كان عالماً بالمصير الذي ينتظره وينتظر من معه.
   فقد قال (عليه السلام) لابن الزبير حين طلب منه اعلان الثورة في مكة المكرمة : "وأيم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم، والله ليعتدون عليّ كما اعتدت اليهود في السبت".
   وكان (عليه السلام) يقول: "والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام المرأة".

   وحين قال الفرزدق للأمام (ع): " ان قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية"، فأجابه الأمام (ع) قائلا :" صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن.. ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوى سريرته".
    كما أن التاريخ يحدثنا، انه ما نزل الأمام الحسين (ع) منزلاً إلا ولقي من ينصحه بعدم الخروج الى العراق، ولكنه كان (عليه السلام) ينظر الى عظمة الهدف الذي يسير ومعه أهله وأصحابه من أجله، فلا يسمع إلا لصرخة الحق واستغاثة المظلومين وآهات المعذبين.
   ان المجتمع الإسلامي إذ ذاك، كان بحاجة الى صدمة قوية توقظه من نومه وتخرجه من سباته والى هزة عنيفة تحيي ضميره وتلهب أحاسيسه ومشاعره وعواطفه، كان بحاجة الى مشهد دامٍ تراق به دماء زكية طاهرة تفجر طاقاته وتفعّل حركيته، انه بحاجة الى نموذج تتمثل به أعلى وأسمى مراتب التضحية ونكران الذات في سبيل المبادئ والمثل والقيم السامية.
   ان فاجعة كربلاء كانت صرخة مدوية بلغت بصداها كل ضمير حي يتعطش للحياة الحرة كما ان صوتها الذي خرج من قلوب طيبة أحبت الناس واعطتهم كل ما تيسر لهم عطائه وبذلت في سبيل احقاق الحق ونصرة المظلومين كل ما تملك. ان هذا الصوت أقض الظالمين في مضاجعهم وهز عروش الطغاة والمستكبرين. فكان لابد لمثل هذه الحركة الثورية الدامية والزاخرة بالعديد من المواقف التضحوية النبيلة وما تمخضت عنها من مفاهيم وقيم استنهاضية سامية من ان تحدث حركة في المجتمع وتبث فيه نفساً تغييرياً، وعليه فهنالك جملة من التغييرات التي نتجت عن قيام ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تعد في عداد الانجازات العظيمة التي نجحت الثورة في تحقيقها:
1 ـ تحطيم الاطار الديني المزيف الذي كان الأمويون واعوانهم يحيطون به سلطانهم، وفضح الروح اللادينية الجاهلية التي كانت توجه الحكم الأموي.
2 ـ بث الشعور بالأثم في نفس كل فرد، وهذا الشعور الذي يتحول الى نقد ذاتي من الشخص لنفسه، يقوّم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع.
3 ـ خلق مناقبية جديدة للإنسان العربي المسلم، وفتح عيني هذا الإنسان على عوامل مضيئة باهرة.
4 ـ بعث الروح النضالية في الإنسان المسلم من اجل ارساء المجتمع على قواعد جديدة، ومن أجل رد اعتباره الإنساني اليه.
   لقد كانت ثورة الأمام الحسين (ع) ملهمة وعنفوانية واستنهاضية، وبكل تفاصيلها، بأقوالها وحركاتها وبمواقفها ومشاهدها بأسبابها وأهدافها بنتائجها وآثارها، بأبطالها وشخصياتها، شهدائها وأعداءها.
   فثورة أبي الاحرار(ع) حطمت كل حاجز نفسي واجتماعي يقف في وجه الثورة، كما قضت او حددت على أقل تقدير تلك الآفات النفسية والاجتماعية التي كانت تحول بين الإنسان وبين أن يقاتل ويجاهد عن ذاته وعن انسانيته.
   ان ثورة الأمام الحسين (عليه السلام) كما ان آثارها لم تنحصر في عصرها ومصرها، فان إلهامها لم يقتصر في ذلك. فالثورة الحسينية انطلقت من الإنسان وإلى الإنسان، لذا فان صداها يدوي ويدوي في كل زمان، فحيث ما وجد ظلم أو ظالم نجد من يهب لمقارعته والقضاء عليه، وستجد ان الدم الدم الحسيني هو محركه وملهمه، وهو الذي يرسم الطريق له.
   فهذا التغيير في الواقع الأجتماعي لازال قائما حتى يومنا هذا وسيبقى حتى قيام الساعة ولكن هناك شروط يجب أن يحترمها ويسير عليها كل من يدعي الانتماء الى الأمام الحسين (ع)لأن الأنتماء ليس لقلقة لسان أو ادعاء فارغ من المحتوى والمضمون، انه تبني لرسالة وتحمل لمسؤولية وولاء لمنهج.
فمن اجل ان تكون حسينيا حقا عليك...
* اولا- ان تقرا الحسين الأمام (ع) بعقلك قبل عواطفك، وبوعيك قبل أحاسيسك، فالحسين (ع) ليس عبرة فقط (بفتح العين) انه عبرة (بكسر العين) وفكرة.
* ثانيا- من اجل ان ننجح في استيعاب الحسين بعقولنا، يلزم ان يكون المنطلق ربانيا، والى هذا المعنى اشار الامام (ع) بقوله {فمن قبلني بقبول الحق} اي ان من يريد ان يستوعب حركته عليه ان يقبل بحركة الخالق في عباده، لان حركة الأمام (ع) هي جزء من الحركة العامة التي خلقها الله تعالى وارادها لعباده.
* ثالثا- ان ندرس منطلقات واهداف ونتائج الثورة الحسينية، كحزمة واحدة، من جانب، وبعقل منفتح لا تسيطر عليه العاطفة او المصالح الانانية،من جانب آخر.
* رابعا - من خلال قراءة سيرة اهل البيت عليهم السلام يتضح لنا انه ومن خلال اخلاصهم لله تعالى يحبون الخير للناس من دون تمييز، فهم باب رحمة الله الواسعة لكل بني البشر، كما انهم الطريق الذي كل من سلكه اهتدى الى الصراط المستقيم. لذا لابد أن نكون نحن هكذا ايضا.
* خامسا- لنعرف ماذا فعل الحسين (ع) مع الباطل وأي ثمن دفعه لنصرة الحق فنفعل مثله،  حتى نكون حسينيين.
* سادسا- فان الحسيني حقا هو الذي لا يوالي من هو عدو للحسين(ع)، ولا يعادي من يحب الحسين(ع) ابدا، ولذلك نقرا في الزيارة المشار اليها {اني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم} بمعنى آخر، فان الحسينيين يشكلون بمنهجهم وبطريقتهم وبمجموعهم جبهة واحدة لا تهزها العواصف، ولا يخترقها اليزيديون، مهما كانت اشكالهم ووسائلهم التضليلية.
* بقلم – جميل ظاهري

هیچ نظری موجود نیست:

ارسال یک نظر