۱۹ شهریور ۱۳۹۱

حذار من شراب هذا العنب

حسين شريعتمداري
منتصف  عام 1987 وحين أسس (نجم الدين اربكان) حزب الرفاه رافعا شعار الخلاص من الهيمنة الاميركية على تركيا، قل من كان يتوقع ان يحصل هذا الحزب على اقبال شعبي، وان ينتصر (اربكان) بعد تسع سنوات 1996 ليكون اول رئيس وزراء  اسلامي بعد عقود عجاف من العلمانية. كان عمر حكومة اربكان  سنة واحدة، اذ تدخل العسكر  ليسقط الحكومةالشرعية بجريرة اسلاميتها، وليثبت جنرالات تركيا انهم لازالوا اوفياء لاتاتورك، الذي خاطبهم اواخر عمره؛ "متى ما كانت اوضاع البلاد مضطربة، وشخصتم ان مرافق الدولة دبها الفساد، لا تترددوا في قبض الامور بايديكم  ــ MARSHAL LAW  ــ  الى ان تعود الامور الى مجاريها ونصبوا حكومة غير عسكرية موالية لكم وتعودوا الى ثكناتكم".
كان هذا في الوقت الذي صوت الشعب التركي  للحزب الاسلامي رفاه وقيادته نجم الدين اربكان، بامل التحرر من اتاتورك، معربين امتعاضهم عن عقود من العلمانية الجالسة على انفاس البلد.
بعد اعوام وفي مارس 2003، وحين سمح للشعب بابداء رأيه، اعتلا رجب طيب اردوغان زعيم الحزب الاسلامي العدالة والتنمية موقع رئاسة الحكومة. في حينها اعربت مؤسسة (اميركان اينتر برايز) الاستراتيجية،  وفي تقرير، عدم قلقها من التيار الاسلامي الصاعد في تركيا ومقرعة  الساسة الاميركان بظنهم نهاية  الاسلاميين بعزل اربكان.
صحيفة ديلي تلغراف  الانجليزية كتبت بعد فوز عبدالله غل كرئس للجمهورية، واردوغان كرئيس للوزراء؛ ان فوز هاذين الاسلاميين المقربين من الاخوان المسلمين، رهين بربطة رأس زوجيهما، موضحة، ان لربطة رأس  السيدتين مفهوما ابعد من الحجاب الاسلامي المتعارف بين النساء المسلمات، اذ  يحكي هنا عن ارتباط بالثورة الاسلامية الايرانية.
وحول نظرة الشعب التركي المسلم للسيد اردوغان وعلة اقبالهم عليه، علاقة بسجله السياسي السابق؛ فقد كان تلميذا  في مدرسة الامام الخطيب الدينية، ثم في جامعة مرمرة /  كلية الادارة والاقتصاد، وبعد تخرجه عين في مديرية الحمل والنقل لمدينة اسطنبول، وفي عام 1980 اعفي عن عمله لاصراره على اداء الفرائض الدينية. ودخل عام1991 الى البرلمان من قبل حزب الرفاه، عن اهالي اسطنبول، بعد تاكيده في دعايته الانتخابية على التعاليم الاسلامية.
كما واحضر عام 1989  الى المحكمة بشكوى من البلدية وحينما اتهم القاضي بعدم الاهلية للمرافعة بكونه مخمورا اثناءالمحاكمة، القي عليه القبض لاسبوع في سجن (بايرام باشا). وحبس بعشرة اشهر عام 1998 بسبب قراءته مقطوعة شعرية تحتوي مفاهيم اسلامية، معتبريه متجاوزا لقوانين الحكومة العلمانية.
لقد استقبل الشعب التركي ترأس اردوغان الحكومة بحفاوة بالغة، وبعد ان عانى لعقود نتيجة ضغوط العلمانيين، اضطر الى ترك الكثير من التكاليف الاسلامية.
ورغم اعتراض  الشعب التركي على عدم قطع اردوغان علاقات تركيا السياسية والاقتصادية مع اسرائيل، الا ان موقفه في ارسال سفينة المساعدات (مرمرة) للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والتي ووجهت بهجوم الكوماندوز الاسرائيلي  واستشهاد العديد من الركاب  الاتراك، قد كسب تأييد الشعب، وبعدها حصلت المشادة الكلامية الحادة مع شيمون بيريز الرئيس الاسرائيلي، فزادته شعبية.
هذه الشعبية لم تدم طويلا، اذ ان تعاون اردوغان مع اميركا واسرائيل والسعودية وقطر في مواجهة الحكومة السورية التي تشكل حلقة من سلسلة المقاومة والممانعة في المنطقة. فخلال عقدين انماثت هذه الشعبية التي كسبها اردوغان. الى ان وصل الحال ان ينبري، قبل يومين، (عبداللطيف شنر) مساعده السابق ليخاطب اردوغان معاتبا حين ذكر لصحيفة (وطن) التركية؛  ان ازمة سوريا مهدت الارضية لسقوط اردوغان.
وفي اشارة الى علامات هذا السقوط يستنتج عبداللطيف؛ ان عداء اردوغان وداود اوغلو للحكومة السورية امر غامض للشعب التركي ولا اشك في ان المواجهة مع سوريا هي الحلقة الاخيرة لاردوغان، وان على رئيس وزرائنا مع رجاله المتنفذين ان يترجلوا المحطة الاخيرة بشهامة ويودعوا مناصبهم السياسية في الحكومة.
رغم ان نصائح مساعد اردوغان السابق تنبع عن حرقة واشفاق، ويمكنها ان تخلص الحكومة التركية من مستنقع اوجدته اميركا واسرائيل بدولارات  السعودية وقطر، الا ان هذه التوصيات جاءت متأخرة، اذ ان كل الادلة والقرائن الحالية  تعكس ازمة حادة وكارثية تواجهها حكومة اردوغان لممالأتها اميركاواسرائيل والسعودية وقطر لمواجهة سوريا التي تمثل احدى المحاور الاساس للمقاومة في المنطقة.
ففي حديث لوسائل الاعلام يسأل برلمانيون اتراك السيد اردوغان؛ اذا لم تضع القواعد العسكرية التركية لتدريب الارهابين بعهدة الخبراء الاسرائيليين والاميركيين، فلماذا لم توافق على طلب ممثلي الشعب لزيارة هذه القواعد؟
وان الكثير من الشخصيات السياسية والدينية  وحتى من لا التزام ديني له وانما همهم استقلال البلد، يعترضون على التنسيق التركي مع اسرائيل واميركا والسعودية وقطر، معتبريه مضرا لتركيا وتشويها لمكانتها في المنطقة.
قبل يومين نشر موقع مؤسسة بروكينز الستراتيجية، والتي لها الدور الهام في رسم السياسة الخارجية الاميركية، نشر تقريرا حول الازمة السورية وكيفية التعامل معها،كان قد تقدم به قبل اسابيع الى الكونغرس الاميركي.
في هذا التقرير لا يخفي (مارتين اينديك) ان الهدف الاساس الذي ترصده اميركامن الازمة السورية، هو ضمان وجود اسرائيل المعرضة للخطر، ولما كانت السعودية وقطر لا حدود مشتركة لها مع سوريا، لجأت الى تريا كدولة امنت احتياجات المعارضة السورية.
وكان (مارتين اينديك) قبل ذلك يعلل سبب دخول الحكومة التركية في حلقة الصراع مع الدول المعادية لسوريا، هو الرغبة التركية في الالتحاق بالاتحاد الاوروبي!
الجدير بالذكر ان حكومة السيد اردوغان  تواجه تناقضا غير مبرر في هذه الازمة. اذ كيف يمكن تفسير المطالبة بالديمقراطية للشعب السوري ضمن ائتلاف يضم السعودية وقطر، ودعما واضحا من اميركا واسرائيل. وبعبارة اخرى فاي عقل قاصر يقبل بمطالب السعودية بالديمقراطية؟!
الدولة التي حسب (هانتينغتون) في اجتماع نيقوسيا عام 2005، عرفت باكثر الدول رجعية في المنطقة، وان نظام حكومتها يعود الى ما قبل التاريخ! وكذلك من يصدق ان اسرائيل تستبطن الخير للشعب السوري؟!
فالخميس الماضي استشاط اردوغان غضبا من اعتراضات الشعب التركي  على حكومته، وفي الوقت الذي تغافل عن اجابة مراسل (فرانكفورتر آلغماينه) بخصوص  تنسيق تركيا مع اسرائيل والسعودية في محاربة سوريا، فقد بادر بمعاتبة اميركا، قائلا: ان اميركا تخلت عنا في  مواجهة سوريا.
ان هذه  الادلة والكثير من القرائن لا تبقي ادنى شك، ان تركيا قد انجرت  الى حرب بالوكالة عن اميركا واسرائيل وبدولارات آل سعود وقطر، ضد سوريا.
الحرب التي يعلم نتائجها من قبل، ستكون باهضة الثمن لحكومة اردوغان ـ والتي حسب مساعده السابق  سقوطه وحزبه.
هذه الخاتمة ستكون مؤلمة ليس فقط لشعب تركيا  المسلم فحسب بل لجميع الشعوب المسلمة ومن ضمنها شعب وحكومة ايران. اذ ان تركيا تمثل بلدا اسلاميا كبيرا، وان تشكيل حكومة اسلامية فيها كان مبعث فخر للشعب التركي والشعوب المسلمة.
لايفوتنا هنا ان نشير الى  رأي بعض المراقبين مقرونة بادلة تستحق الاهتمام ولاتقبل الشك، وهو ان اميركا واسرائيل يستتبعان امرين في  مخططهما لتوريط الحكومة التركية في الازمة السورية؛ الاول: الاستفادة من حدودها  المشتركة مع سوريا لارسال الاسلحة والارهابيين الى سوريا الثاني: الانتقام من اسلاميي حزب  الرفاه الذي انهى حكومة  العلمانيين لعقود عدة.
اللافت ان المرحوم نجم الدين اربكان مؤسس حزب الرفاه، والذي وافته المنية مؤخرا، كان معارضا بشدة مواقف اردوغان في السنين الاخيرة.
وفيما كان القلق باديا عليه،وصف اربكان، في حديث لدبلوماسي رفيع المستوى، وصف اردوغان  في بداياته، بعنقود عنب، اذ كان حلو المذاق، ولشد ما يقلقني ان يعمد اعداء تركيا لاتخاذ شرابهم من هذا العنب!

هیچ نظری موجود نیست:

ارسال یک نظر